الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
ويقابله بهذا المفهوم في الفقه الإسلامي، الحبس استيثاقا بتهمة، الذي يعرفه الفقهاء بأنه: تعويق ذي الريبة عن التصرف بنفسه حتى يبين أمره فيما أدعي عليه من حق الله أو الآدمي المعاقب عليه. ويقال له أيضا، حبس الاستظهار، ليكشف به ما وراءه. 2- مشروعية التوقيف (الحبس بتهمة): يستدل لمشروعية الحبس في التهمة بقوله تعالى فيمن اتهم بعدم القيام بالحق: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة 106]، وبحبس النبي صلى الله عليه وسلم لأحد الغفاريين بتهمة سرقة بعيرين ثم أطلقه. وروي عن علي رضي الله عنه أنه حبس متهمين حتى أقروا. وذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعية حبس التهمة، واعتبروه من السياسة العادلة إذا تأيدت التهمة بقرينة قوية، أو ظهرت أمارات الريبة على المتهم أو عرف بالفجور، من مثل ما وقع لابن أبي الحقيق حين أخفى كنزا يوم خيبر, وادعى ذهابه بالنفقة، فحبسه النبي صلى الله عليه وسلم ورد عليه بقوله: «العهد قريب والمال أكثر» فكان ذلك قرينة على كذبه, ثم أمر الزبير أن يمسه بعذاب حتى ظهر الكنز. وفي نحو هذا يقول عمر بن عبد العزيز: المتاع يوجد مع الرجل المتهم فيقول ابتعته, فاشدده في السجن وثاقا ولا تحله حتى يأتيه أمر الله. وذلك إذا جرت العادة أن لا يتحصل ذلك المتاع لمثل هذا المتهم. وإذا قامت القرائن وشواهد الحال على أن المتهم بسرقة- مثلا كثير التطواف والمجيء والذهاب- أو في بدنه آثار ضرب, أو كان معه حين أخذ منقب, قويت التهمة وسجن. 3- الهدف من التوقيف في التهمة: التوقيف الاحتياطي لا يقصد منه العقوبة وإنما يهدف إلى أمرين، أحدهما بيان حال المتهم وعلاقته بالتهمة المنسوبة إليه، والثاني هو المصلحة العامة بدفع ضرر متوقع إما من الموقوف أو عليه، ويمكن تلخيص الهدف من التوقيف الاحتياطي في النقاط التالية: 1- عدم هروب المتهم. 2- إبعاد المتهم عن العبث بأدلة الاتهام. 3- الحيلولة دون ارتكاب جرائم أخرى. 4- امتصاص غيظ المجني عليه وذويه. 5- أرضاء مشاعر الجمهور. 6- حماية المتهم من إلحاق الضرر بنفسه. 7- الحماية من الانتقام الجماعي. 8- الحماية من رد الفعل الثأري من المجني عليه. 9- ردع المجرمين الآخرين. 4- أنواع التوقيف: يطلق الفقهاء على التوقيف لفظ الحبس ويقسمونه إلى ثلاثة أقسام: 1- الحبس للتهمة: وهو حبس الاستظهار الذي سبق تعريفه. 2- الحبس للاحتراز: ويقصد به التحفظ للمصلحة العامة على من يتوقع حدوث ضرر بتركه، ولا يستلزم وجود تهمة، ومما ذكره الفقهاء من هذا النوع: حبس العائن الذي يضر الناس بعينه احترازا من أذاه، وحبس نساء البغاة وصبيانهم تحفظا عليهم من المشاركة في البغي، مع أنهم ليسوا من أهل القتال، وكان شريح القاضي يحبس من عليه الحق في المسجد مؤقتا إلى أن يقوم من مجلسه، فإن لم يعط الحق أمر به إلى السجن. 3- الحبس لتنفيذ عقوبة أخرى: ويقصد به تعويق الشخص عن التصرف بنفسه حتى يتم استيفاء الحق الثابت منه. فإذا حال دون تنفيذ العقوبة المحكوم بها أمر عارض أرجئ التنفيذ حتى يزول العذر، فإذا خيف هرب المطلوب تنفيذ العقوبة عليه جاز حبسه. 5- مدة التوقيف: لا حد لأقل مدة الحبس، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى سبيله. أما أكثره فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم حتى ينكشف حال المتهم، وقد نسب ابن تيمية هذا القول إلى مالك وأصحابه، وأحمد ومحققي أصحابه، وأصحاب أبي حنيفة. ونص المالكية على أنه لا يطال سجن مجهول الحال, والحبس الطويل عندهم ما زاد على سنة. وقال بعض الفقهاء: إن أكثر مدة يحبس فيها المتهم المجهول الحال يوم واحد. وحددها قوم بيومين وثلاثة, وأجاز آخرون بلوغها شهرا. أما المتهم المعروف بالفجور والفساد فأكثر مدة حبسه بحسب ما يقتضيه ظهور حاله والكشف عنه ولو حبس حتى الموت, وهذا هو الظاهر في مذاهب جمهور الفقهاء. 6- ضوابط التوقيف الواردة في نظام الإجراءات الجزائية: وردت ضوابط التوقيف في نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي: 1- لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً. (م/2). 2- لا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة المحددة من السلطة المختصة. (م/2). 3- يحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة. (م/2). 4- إذا لم يحضر المتهم- بعد تكليفه بالحضور رسميا- من غير عذر مقبول، أو إذا خيف هروبه، أو كانت الجريمة في حالة تلبس، جاز للمحقق أن يصدر أمرا بالقبض عليه وإحضاره ولو كانت الواقعة مما لا يجوز فيها توقيف المتهم. (م/10). 5- للمحقق في جميع القضايا أن يقرر- حسب الأحوال- حضور الشخص المطلوب التحقيق معه، أو يصدر أمراً بالقبض عليه إذا كانت ظروف التحقيق تستلزم ذلك. (م/103). 6- في غير حالات التلبس، لا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك، ويجب معاملته بما يحفظ كرامته. (م/35). 7- لا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنويا، ويجب إخباره بأسباب إيقافه، ويكون له الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه. (م/35). 8- لا يجوز تنفيذ أوامر القبض، أو الإحضار، أو التوقيف، بعد مضي ثلاثة أشهر من تاريخ صدورها ما لم تجدد. (م/117). 9- لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، على أن يحرر محضراً بذلك، وإن يبادر بإبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً. (م/33). 10- في جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفاً لأكثر من أربع وعشرين ساعة إلا بأمر كتابي من المحقق. فإذا لم يكن المتهم حاضراً فيجب على رجل الضبط الجنائي أن يصدر أمراً بضبطه وإحضاره، وإن يبين ذلك في المحضر. (م/33). 11- يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو توقيفه، ويكون له حق الاتصال بمن يراه لإبلاغه، ويكون ذلك تحت رقابة رجل الضبط الجنائي. (م/116). 7- التوقيف الانفرادي: أ- مشروعية: يجوز التوقيف المتهم انفرادياً إذا كان في ذلك مصلحة، وهذا معمول به في الشريعة، فقد روي أن عليا رضي الله عنه، أتي بنفر متهمين بقتل، ففرق بينهم وأمر أن لا يمكن بعضهم من مقابلة بعض، وأخذ يناقش كل واحد منهم بمفرده حتى اعترفوا جميعا. ب- التوقيف الانفرادي في نظام الإجراءات الجزائية والأنظمة الأخرى: 1- جاء في المادة (119) من نظام الإجراءات الجزائية النص التالي: للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه. 2- ونصت المادة (126) من نظام مديرية الأمن العام على توقيف المتهم انفراديا عند الحاجة. 3- وقضى الأمر السامي الكريم رقم 20634 وتاريخ 3/9/1402هـ بالتوجيه بحجز المتهم في القضايا الخطيرة انفراديا حيث جاء فيه النص التالي: (سبق أن بلغناكم بأمرنا رقم 825/8 وتاريخ 15/4/1402هـ بأنه في مثل هذه القضايا يجب أن يسجن كل شخص وحده ولا يقوم بزيارته أحد حتى ينتهي التحقيق معه فاحرصوا على ذلك وعمموه). وجرى تعميم الأمر السامي المشار إليه بموجب تعميم صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية رقم 16/2992/2 ش وتاريخ 8/1402هـ لاعتماد العمل بموجبه. 8- الاهتمام بقضايا الموقوفين: يجب على رجل الضبط والمحقق والقاضي وكل من له علاقة بقضايا الموقوفين، أن يعطوا قضايا الموقوفين قدراً كبيراً من الأهمية والعناية، لأن الموقوف ربما أنه لا يستحق التوقيف، أو ربما أنه لبث في السجن أكثر مما يستحق، فالتهاون بقضايا الموقوفين ظلم لهم. وفي ذلك يقول ابن مفلح رحمه الله وهو يتحدث عن آداب القضاء: (ويسن أن يبدأ بالمحبوسين, فينفذ ثقة يكتب أسماءهم, ومن حبسهم، وفيم ذلك، ثم ينادي بالبلد أنه ينظر في أمرهم, فإذا حضر فمن حضر له خصم نظر بينهما: فإن حبس لتعدل البينة فإعادته مبني على حبسه في ذلك, ويتوجه إعادته: وفي الرعاية إن كان الأول حكم به مع أنه ذكر أن إطلاق المحبوس حكم, ويتوجه أنه كفعله, وإن مثله تقدير مدة حبسه ونحوه. والمراد إذا لم يأمر ولم يأذن بحبسه وإطلاقه، وإلا فأمره وإذنه حكم يرفع الخلاف. قال المروذي: لما حبس الإمام أحمد رحمه الله قال له السجان: يا أبا عبد الله, الحديث الذي يروى في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم, فقال: فأنا منهم؟ قال أحمد: أعوانهم من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهم). وجاء في كشاف القناع: (ويستحب للقاضي أن يبدأ بالمحبوسين، لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فاستحبت البداءة فيهم، فينفذ، أي يبعث ثقة يكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبس في رقعة منفردة لأن ذلك طريق إلى معرفة الحال على ما هي عليه ولئلا يتكرر بكتابته في رقعة واحدة النظر في حال الأول منها فالأول بل يخرج واحداً منها بحسب الاتفاق، كالقرعة، ويأمر منادياً ينادي في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن له خصم منهم فليحضر، لما في ذلك من الإعلام بيوم جلوس القاضي لهم). ونصت المادة (22) من لائحة أصول الاستيقاف على تشكيل لجنة بكل أمارة منطقة تنظر في تظلمات الموقوفين الذين انقضت محكوميتهم ولم يطلق سراحهم. .حرف الثاء: .127- ثأر: 1- التعريف:الثَّأْرُ في اللغة: الدَّمُ، أوالطَّلَبُ به، وثَأَرَ به: طَلَبَ دَمَهُ كثَأَرَهُ، وقَتَلَ قاتِلَهُ. وأثْأَرَ: أدْرَكَ ثَأْرَهُ. واسْتَثْأَرَ: اسْتَغاثَ لِيُثْأَرَ بِمَقْتولِهِ. والثَّائِرُ: الذي لا يبقي على شيء حتى يُدْرِكَ ثَأْرَهُ. ويقال: ثَأَرْتُ فلاناً واثَّأَرْتُ به إذا طلبت قاتله. قال ابن فارس: الثاء والهمزة والراء أصلٌ واحد، وهو الذَّحْل المطلوب. يقال ثأرتُ فلاناً بفلانٍ إذا قتَلْتَ قاتلَه، قال قيس بنُ الْخَطِيم: وفي الاصطلاح: الثأر هو الطلب بالدم. 2- حكم الأخذ بالثأر: كانت العرب في جاهليتها تعيب على من يأخذ الدية ويرضى بها من درك ثأره وشفاء غيظه، كقول قائلهم يهجو من أخذ الدية من الإبل: وقال جرير يُعيِّر من أخذ الدية فاشترى بها نخلا: ولما جاء الإسلام حرم قتل النفس ابتداء بغير حق لحرمة النفس الإنسانية, فقال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء 33]. وبين النبي صلى الله عليه وسلم الحق الذي يقتل به المسلم فقال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة». رواه البخاري. وأباح الإسلام الأخذ بالثأر على سبيل القصاص بشروطه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يودى وإما أن يقاد» رواه البخاري؛ قال ابن حجر: أي يؤخذ لهم بثأرهم. وإباحة الإسلام للثأر مقيدة بعدم التعدي على غير القاتل، ولذلك حرم الإسلام ما كان شائعاً في الجاهلية من قتل غير القاتل، ومن الإسراف في القتل, لما في ذلك من الظلم والبغي والعدوان. قال الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}.[الإسراء 33]، قال المفسرون: أي فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به، أو يقتص من غير القاتل؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه» رواه البخاري، قال ابن حجر: ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية. أي يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره. واستيفاء القصاص لابد له من إذن الإمام، فإن استوفاه صاحب الحق بدون إذن الإمام وقع موقعه، وعزر لافتياته على الإمام. (وللمزيد ينظر مصطلح: قصاص). |